ليبيا.. الهلال النفطي من جديد

ليبيا.. الهلال النفطي من جديد

بقلم: حسن لافي

بعد الانطلاقة الناجحة لعمليات الجيش الوطني الليبي للسيطرة على مدينة درنة، المعقل الأخير الخارج عن سيطرته في النصف الشرقي من البلاد. تكرر مرة أخرى الهجوم على منطقة الهلال النفطي شمال وسط البلاد، مصحوباً بعدة هجمات محدودة جنوبي سرت وجنوبي أجدابيا وفي وسط البلاد، مع استمرار للتوتر في مدينة سبها جنوبي البلاد. ما جعل الوضع الميداني الليبي فعلياً في مرحلة جديدة كلياً بعد فترة من الهدوء النسبي عقب انتهاء المعارك في بنغازي وقبلها في سرت.

جاء الهجوم الذي شنتّه "ميليشيات" يقودها القائد السابق لقوة حماية المنشآت النفطية "أبراهيم الجضران"، مشابهاَ تماماً للهجوم الذي شنته نفس الميليشيات على هذه المنطقة في آذار/ مارس من العام الماضي، لكن بشكلٍ أكثر تركيزاً على مينائي السدرة ورأس لانوف النفطيين، على عكس الهجوم السابق الذي كان شاملاً لكافة مناطق الهلال النفطي وصولا الى مرسى البريقة. لم تتمكن وحدات الجيش الوطني الليبي والتي تنضوي في هذه المنطقة تحت قيادة منطقة الخليج العسكرية، في التصدي لهذا الهجوم الذي تم من محورين، برغم إعلان سابق قامت به هذه القيادة، وأعلنت في حالة الاستنفار في صفوف وحداتها نتيجة لأحتمالية تعرض المنطقة لهجوم.

نتج عن هذا الهجوم انسحاب قوات الجيش إلى شرقي رأس لانوف، ومن ثم بدأت عملية تحشيد لوحدات الجيش الليبي التي أنهت مهامها في عمليات مدينة درنة، وبدأت بالتدفق على محيط مدينة أجدابيا وميناء البريقة للمشاركة في الهجوم المعاكس على منطقة الهلال النفطي، منها كتيبة طارق بن زياد وكتيبتي المشاة 128 و106 بجانب الكتيبة الميكانيكية 210 واللواء 106 مجحفل والكتيبة 302 صاعقة، كما أرسل جهاز أمن الموانئ التابع للحكومة المؤقتة وحدات من قواته للمشاركة في هذا الهجوم.

في الأيام السابقة للهجوم المعاكس للجيش الليبي، شنّ سلاحه الجوي غارات مكثفة استهدفت تجمعات الميليشيات في محيط رأس لانوف والسدرة، وخاصة في منطقة مشروع رأس لانوف الصناعي، بجانب تجمعات مماثلة قرب مدينة بن جواد شرقي سرت، ومنطقة الحنيوة جنوب شرق سرت، ومناطق جنوبي مدينة أهراوة.

صباح اليوم الخميس بدأت قوات الجيش هجومها المعاكس على رأس لانوف والسدرة، وكما حدث في العام الماضي كان انهيار الميليشيات المسيطرة على المنطقتين سريعاً.

الدلالات الميدانية لهذا الهجوم على الهلال النفطي متعددة، لأنها تؤكد واقع مفاده أن هناك أطرافاً إقليمية لا تريد استقرار الوضع العسكري والأمني في ليبيا، وأنها تضررت كثيراً من انطلاق عمليات السيطرة على مدينة درنة، فجاءت قلاقل الجنوب في سبها، والشمال في الهلال النفطي، والأحداث الأمنية المتفرقة في عموم ليبيا، كوسيلة لإدخال الملف الليبي في دوامة جديدة من المعارك والصراع، مع خسائر كبيرة للاقتصاد الليبي بعد تضرر عدد كبير من حاويات تخزين النفط في رأس لانوف نتيجة للاشتباكات.

معركة درنة تصل الى المنعطف الأخير

في هذه الأثناء بات الجيش الليبي قاب قوسين أو ادني من السيطرة على مدينة درنة آخر المدن الخارجة عن سيطرته في المنطقة الشرقية الساحلية للبلاد. الهجوم الذي بدأ أوائل الشهر الماضي على ثلاثة محاور، حققت فيه وحدات الجيش تقدماً متسارعاً خلال الأسبوع الماضي، بالسيطرة على منطقة الساحل الشرقي وميناء المدينة بجانب أحياء خديجة وباب طبرق وأمبخ والقسم الغربي من حي شيحا.

حالياً لم يعد خارج سيطرة الجيش إلا أقل من 5 من المدينة وتشمل هذه النسبة الأجزاء الشمالي من أحياء الشعبية والمغار والقلعة وشيحا الشرقية. التهديد الأساسي الذي واجهته القوات المتقدمة داخل المدينة كان الهجمات بالسيارات المفخخة، والتي كان التركيز فيها منصبّاً على حيي القلعة وشيحا الشرقية، وفي معظمها كان يتم الإيحاء بأن السيارة المتقدمة تحمل مدنيين يحاولون مغادرة مناطق الاشتباكات.

النجاح الأكبر للجيش الليبي في هذه العملية كان في تصفية واعتقال عدد كبير من قادة تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية، فتم اعتقال كل من مسؤول الملف الأمني في درنة يحي الأسطى عمر، وسفيان بن قمو قائد كتيبة أنصار الشريعة والسائق السابق لأسامة بن لادن. بجانب تصفية عدد من قادة القاعدة والمجموعات الموالية لها منهم أبو زيد الشلوي وعبد السلام العوافي وعمر رفاعي سرور.

استمرار تدهور الوضع في سبها

في الجنوب الليبي، مازال التدهور الأمني المستمر منذ آذار/ مارس الماضي متصاعداً بوتيرة متغيرة، مع تجدد الاشتباكات بين قبيلتي التبو وأولاد سليمان في منطقتي حجارة والناصرية.

قوات قبيلة التبو قامت باقتحام قلعة سبها التاريخية بعد أن انسحبت منها وحدات اللواء السادس مشاة التابع لقيادة الجيش الليبي. وشن الطيران الحربي الليبي غارات على أرتال للمعارضة التشادية في منطقتي القرضة وحجارة وقرية أم الأرانب.

داعش تضرب في أجدابيا وسرت

بالتزامن مع اشتعال معارك الهلال النفطي، تعرضّت كل من مدينة أجدابيا وتخوم مدينة سرت، إلى هجمات متكررة من جانب تنظيم داعش، الذي أصبح نشاطه متركزاً بصورة أساسية على مربع أجدابيا – الواحات – الجفرة – سرت. تشهد مدينة أجدابيا منذ أوائل الشهر الماضي استنفارا أمنياً وعسكرياً، عقب ثلاث هجمات تعرضت لها وحدات الجيش الليبي في محيطها، الهجوم الأول استهدف مركز شرطة منطقة القنان جنوبي المدينة، والذي تمت مهاجمته بخمسة سيارات محملة بالمسلحين.

الهجوم الثاني كان بسيارة مفخخة استهدفت بوابة الستين جنوبي أجدابيا، والتي تتمركز فيها وحدات من الكتيبة 152 مشاة. الهجوم الثالث استهدف بوابة مدينة أوجلة الواقعة في منطقة الواحات جنوبي المدينة.

تشهد مدينة سرت الساحلية أيضاً استنفارا مماثلاً، عقب رصد متكرر لتحركات لعناصر داعش في المناطق الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية للمدينة، وتحديداً في أودية بي وسوف الجين وجارف.

كذلك تعرضت وحدات الجيش في منطقة بوابة التسعين شرقي المدينة لهجوم بسيارة مفخخة، وتمكنّت هذه الوحدات من إحباط محاولة مماثلة في قرية أم القنديل الواقعة جنوبي المدينة وغربي مدينة بن جواد.

الانتخابات تبتعد تدريجياً

على الرغم من إجراء انتخابات بلدية في مدينة الزاوية شمال غرب البلاد، إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية في معظم مناطق البلاد منذ الشهر الماضي، وغياب أدنى مستوى للتفاهم بين حكومتي طبرق وطرابلس، حتى في ملف جنوب البلاد، كلها عوامل تؤشر على صعوبة كبيرة في إمكانية إجراء انتخابات تشريعية خلال هذا العام كما كان مأمولاً.

حتى العاصمة طرابلس مازالت تعاني من تدهور متصاعد في أوضاعها الأمنية، لم يسلم حتى محيط مقر الأمم المتحدة فيها منه. لم يفلح اجتماع باريس للأطراف الليبية والدولية حول هذا الملف في تحقيق أي جديد على الأرض سواء على المستوى السياسي أو الأمني، وبات متوقعاً بشكل كبير أن يبدأ الجيش الليبي عقب إنهاء عمليات درنة وتأمين الهلال النفطي، في عمليات عسكرية في اتجاه الغرب، ربما تكون سرت هي وجهته القادمة.

 كتب / محمد منصور

ليبيا.. الهلال النفطي من جديد

الخميس 21 / يونيو / 2018

بعد الانطلاقة الناجحة لعمليات الجيش الوطني الليبي للسيطرة على مدينة درنة، المعقل الأخير الخارج عن سيطرته في النصف الشرقي من البلاد. تكرر مرة أخرى الهجوم على منطقة الهلال النفطي شمال وسط البلاد، مصحوباً بعدة هجمات محدودة جنوبي سرت وجنوبي أجدابيا وفي وسط البلاد، مع استمرار للتوتر في مدينة سبها جنوبي البلاد. ما جعل الوضع الميداني الليبي فعلياً في مرحلة جديدة كلياً بعد فترة من الهدوء النسبي عقب انتهاء المعارك في بنغازي وقبلها في سرت.

جاء الهجوم الذي شنتّه "ميليشيات" يقودها القائد السابق لقوة حماية المنشآت النفطية "أبراهيم الجضران"، مشابهاَ تماماً للهجوم الذي شنته نفس الميليشيات على هذه المنطقة في آذار/ مارس من العام الماضي، لكن بشكلٍ أكثر تركيزاً على مينائي السدرة ورأس لانوف النفطيين، على عكس الهجوم السابق الذي كان شاملاً لكافة مناطق الهلال النفطي وصولا الى مرسى البريقة. لم تتمكن وحدات الجيش الوطني الليبي والتي تنضوي في هذه المنطقة تحت قيادة منطقة الخليج العسكرية، في التصدي لهذا الهجوم الذي تم من محورين، برغم إعلان سابق قامت به هذه القيادة، وأعلنت في حالة الاستنفار في صفوف وحداتها نتيجة لأحتمالية تعرض المنطقة لهجوم.

نتج عن هذا الهجوم انسحاب قوات الجيش إلى شرقي رأس لانوف، ومن ثم بدأت عملية تحشيد لوحدات الجيش الليبي التي أنهت مهامها في عمليات مدينة درنة، وبدأت بالتدفق على محيط مدينة أجدابيا وميناء البريقة للمشاركة في الهجوم المعاكس على منطقة الهلال النفطي، منها كتيبة طارق بن زياد وكتيبتي المشاة 128 و106 بجانب الكتيبة الميكانيكية 210 واللواء 106 مجحفل والكتيبة 302 صاعقة، كما أرسل جهاز أمن الموانئ التابع للحكومة المؤقتة وحدات من قواته للمشاركة في هذا الهجوم.

في الأيام السابقة للهجوم المعاكس للجيش الليبي، شنّ سلاحه الجوي غارات مكثفة استهدفت تجمعات الميليشيات في محيط رأس لانوف والسدرة، وخاصة في منطقة مشروع رأس لانوف الصناعي، بجانب تجمعات مماثلة قرب مدينة بن جواد شرقي سرت، ومنطقة الحنيوة جنوب شرق سرت، ومناطق جنوبي مدينة أهراوة.

صباح اليوم الخميس بدأت قوات الجيش هجومها المعاكس على رأس لانوف والسدرة، وكما حدث في العام الماضي كان انهيار الميليشيات المسيطرة على المنطقتين سريعاً.

الدلالات الميدانية لهذا الهجوم على الهلال النفطي متعددة، لأنها تؤكد واقع مفاده أن هناك أطرافاً إقليمية لا تريد استقرار الوضع العسكري والأمني في ليبيا، وأنها تضررت كثيراً من انطلاق عمليات السيطرة على مدينة درنة، فجاءت قلاقل الجنوب في سبها، والشمال في الهلال النفطي، والأحداث الأمنية المتفرقة في عموم ليبيا، كوسيلة لإدخال الملف الليبي في دوامة جديدة من المعارك والصراع، مع خسائر كبيرة للاقتصاد الليبي بعد تضرر عدد كبير من حاويات تخزين النفط في رأس لانوف نتيجة للاشتباكات.

معركة درنة تصل الى المنعطف الأخير

في هذه الأثناء بات الجيش الليبي قاب قوسين أو ادني من السيطرة على مدينة درنة آخر المدن الخارجة عن سيطرته في المنطقة الشرقية الساحلية للبلاد. الهجوم الذي بدأ أوائل الشهر الماضي على ثلاثة محاور، حققت فيه وحدات الجيش تقدماً متسارعاً خلال الأسبوع الماضي، بالسيطرة على منطقة الساحل الشرقي وميناء المدينة بجانب أحياء خديجة وباب طبرق وأمبخ والقسم الغربي من حي شيحا.

حالياً لم يعد خارج سيطرة الجيش إلا أقل من 5 من المدينة وتشمل هذه النسبة الأجزاء الشمالي من أحياء الشعبية والمغار والقلعة وشيحا الشرقية. التهديد الأساسي الذي واجهته القوات المتقدمة داخل المدينة كان الهجمات بالسيارات المفخخة، والتي كان التركيز فيها منصبّاً على حيي القلعة وشيحا الشرقية، وفي معظمها كان يتم الإيحاء بأن السيارة المتقدمة تحمل مدنيين يحاولون مغادرة مناطق الاشتباكات.

النجاح الأكبر للجيش الليبي في هذه العملية كان في تصفية واعتقال عدد كبير من قادة تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية، فتم اعتقال كل من مسؤول الملف الأمني في درنة يحي الأسطى عمر، وسفيان بن قمو قائد كتيبة أنصار الشريعة والسائق السابق لأسامة بن لادن. بجانب تصفية عدد من قادة القاعدة والمجموعات الموالية لها منهم أبو زيد الشلوي وعبد السلام العوافي وعمر رفاعي سرور.

استمرار تدهور الوضع في سبها

في الجنوب الليبي، مازال التدهور الأمني المستمر منذ آذار/ مارس الماضي متصاعداً بوتيرة متغيرة، مع تجدد الاشتباكات بين قبيلتي التبو وأولاد سليمان في منطقتي حجارة والناصرية.

قوات قبيلة التبو قامت باقتحام قلعة سبها التاريخية بعد أن انسحبت منها وحدات اللواء السادس مشاة التابع لقيادة الجيش الليبي. وشن الطيران الحربي الليبي غارات على أرتال للمعارضة التشادية في منطقتي القرضة وحجارة وقرية أم الأرانب.

داعش تضرب في أجدابيا وسرت

بالتزامن مع اشتعال معارك الهلال النفطي، تعرضّت كل من مدينة أجدابيا وتخوم مدينة سرت، إلى هجمات متكررة من جانب تنظيم داعش، الذي أصبح نشاطه متركزاً بصورة أساسية على مربع أجدابيا – الواحات – الجفرة – سرت. تشهد مدينة أجدابيا منذ أوائل الشهر الماضي استنفارا أمنياً وعسكرياً، عقب ثلاث هجمات تعرضت لها وحدات الجيش الليبي في محيطها، الهجوم الأول استهدف مركز شرطة منطقة القنان جنوبي المدينة، والذي تمت مهاجمته بخمسة سيارات محملة بالمسلحين.

الهجوم الثاني كان بسيارة مفخخة استهدفت بوابة الستين جنوبي أجدابيا، والتي تتمركز فيها وحدات من الكتيبة 152 مشاة. الهجوم الثالث استهدف بوابة مدينة أوجلة الواقعة في منطقة الواحات جنوبي المدينة.

تشهد مدينة سرت الساحلية أيضاً استنفارا مماثلاً، عقب رصد متكرر لتحركات لعناصر داعش في المناطق الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية للمدينة، وتحديداً في أودية بي وسوف الجين وجارف.

كذلك تعرضت وحدات الجيش في منطقة بوابة التسعين شرقي المدينة لهجوم بسيارة مفخخة، وتمكنّت هذه الوحدات من إحباط محاولة مماثلة في قرية أم القنديل الواقعة جنوبي المدينة وغربي مدينة بن جواد.

الانتخابات تبتعد تدريجياً

على الرغم من إجراء انتخابات بلدية في مدينة الزاوية شمال غرب البلاد، إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية في معظم مناطق البلاد منذ الشهر الماضي، وغياب أدنى مستوى للتفاهم بين حكومتي طبرق وطرابلس، حتى في ملف جنوب البلاد، كلها عوامل تؤشر على صعوبة كبيرة في إمكانية إجراء انتخابات تشريعية خلال هذا العام كما كان مأمولاً.

حتى العاصمة طرابلس مازالت تعاني من تدهور متصاعد في أوضاعها الأمنية، لم يسلم حتى محيط مقر الأمم المتحدة فيها منه. لم يفلح اجتماع باريس للأطراف الليبية والدولية حول هذا الملف في تحقيق أي جديد على الأرض سواء على المستوى السياسي أو الأمني، وبات متوقعاً بشكل كبير أن يبدأ الجيش الليبي عقب إنهاء عمليات درنة وتأمين الهلال النفطي، في عمليات عسكرية في اتجاه الغرب، ربما تكون سرت هي وجهته القادمة.

 كتب / محمد منصور