بقلم: حماد صبح
بقلم : حماد صبح
يوقد شعلةَ الأمل في نفوسنا ، وبقوة ، أن فعاليات العام التاسع والثلاثين ليوم القدس تشهد هذه المرة مشاركة مشهودة لثلاث عواصم عربية عصفت بها حروب من فعل أعداء الأمة وأتباعهم من أمساخ العرب . وبداهة أن المشاركة لم تقتصر على العواصم الثلاث ، فسرت حرارتها إلى المدن الأخرى من مدن دولة كل عاصمة . بغداد ، مبدعة الجزء العظيم من مجد التاريخ العربي ، هي إحدى هذه العواصم ، فقد انطلقت فيها مسيرة رافقها عرض عسكري ( لاحظوا المغزى منه ! ) ، وهدرت فيها التنديدات بالاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني .
أراد الأميركيون المعتدون محركين بالنفوذ الصهيوني الواسع أن يبتروا العراق وطنا ودورا من جسد الأمة وحيويتها ، وهاهو العراق العظيم ، بحق ، ينتفض طائر فينيق من الرماد ، ويعود ليتقدم أمته ، كالعهد به في مسار تاريخها ، في وقاية كينونتها وهويتها من الأخطار القاصمة التي تتلبد سحبها الشريرة حولها وفي داخلها .
ويصف الشيخ حسن نصرالله أمين عام حزب الله ، وهو من يحسن قراءة حركة الأحداث ، ويتقن تشخيصها في بيان وافٍ صافٍ ، ما يحدث الآن في العراق من توجه للعودة للمشاركة الفعالة في وقاية الأمة بالتحول الحقيقي .
والعاصمة الثانية التي كبرت على جراحها وآلامها والمصائب المهولة التي يصبها عليها وعلى سواها من المدن والقرى اليمنية العدوان الأخرق الجائر المسمى التحالف العربي بمشاركة أميركا وإسرائيل ؛ هي صنعاء . تدفق أبناؤها الشرفاء الأوفياء سيلا في شارع الستين يهتفون صادقين : " قادمون يا قدس " ، وأقول " صادقين " ؛ لأن الشعب اليمني هو شعب الصدق ونقاء الأصالة قولا وفعلا ، ومما يكشف صدقه وأصالته ونبالة جوهره أنه من أعجل العرب استجابة لرسالة التوحيد المحمدية . جاءه الحق فعاجل لاتباعه .
ووصف السيد عبد المالك الحوثي قائد حركة أنصار الله نصرة صنعاء والشعب اليمني للقدس بأنها تعبر عن القيم العظيمة التي يتصف بها اليمنيون ، وحدد بعض تلك القيم في الحرية والإباء والوفاء والحافز الديني . وإذ أرتب دمشق العظيمة ثالثة العواصم ، فما هو بالترتيب الذي يُخفضها مقاما .
دمشق حسناء لا يزيدها الثناء حسنا ، هي التي تضفي عليه من حسنها الساحر الأصيل . هي شقيقة القدس جغرافيا وتاريخا . في دمشق التي صارت الآن خالية من الحواجز الأمنية بعد تحرير محيطها ؛ تدفق المتظاهرون سوريين وفلسطينيين ، قلبا واحدا ، يهتفون بحب القدس التي لم تنسها في عصف الحرب المتمادية حتى عامها الثامن قتلا وتخريبا وتشريدا وتغريبا للشعب السوري ، وإصرارا من أميركا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا والأمساخ العرب على محو الدولة السورية .
كبرت دمشق العظيمة على آثار أهوال العدوان الإجرامي وفظائعه ، وجاب مواطنوها شوارع أحيائها شاهرين الأعلام السورية والفلسطينية ، ومصرين على الصلاة ذات يوم في الأقصى . طمح الأعداء الأشراس إلى أن تنكفئ دمشق على ذاتها منشغلة بآلام قلبها وجراح جسدها ، فأبت عظمتها المتفجرة من عمق أصالة روحها الانكفاء ، ووقفت شامخة تهدر: " لبيك يا قدس " .
ما حدث في يوم القدس العالمي في العواصم العربية التاريخية الثلاث يوقد شعلة الأمل ساطعة متوهجة في نفس كل عربي ومسلم بأن أمتنا بجناحها العربي وجناحها الإسلامي ستخترق لهب محنها الحالية غلابة ظافرة ، وأن ما أراده لها أعداؤها مؤتلفين مع أمساخ العرب من انكسار وسكوت على الدونية والخنوع وانحسار من حركة التاريخ مصيره البوار والاندحار .
وانظروا ما تجترحه غزة الصغيرة المحاصرة ! تتحدى إسرائيل ، وتضيق خناقها ، وتعرضها لمن يجهلونها على حقيقتها : كيانا معتديا مغتصبا مجرما لا صلة له بما يحب أن يشيعه عن نفسه من كونه ديمقراطيا إنسانيا متحضرا . وفي التاريخ دروس وعبر للمعتدين وللمعتدى عليهم.
بعد عامين فحسب من اجتياح التتار لبغداد ، وتخريبها وقتل آلاف من أهلها ، قصم المسلمون بقيادة سيف الدين قطز في معركة عين جالوت في 25 رمضان 658 على أرض فلسطين ؛ ظهرهم ، ومزقوا روحهم المتوحشة الدموية ، فمات هولاكو قائدهم في اجتياح بغداد حسرة على ما أصاب جيشه من هزيمة كبرى مبيرة أتت على آخر جندي فيه ممن اشتركوا في المعركة ، وأسلم التتار .
***
ذات يوم بعيد ، عثرت بقصاصة من جريدة في بقعة تكاثف عشبها، قرأت فيها هذين البيتين : "يا أمتي والحزن يحرق دمعتي * ويلفني بغمامة سوداء "
" ما زلت أؤمن أن نصرك قادم * مهما بدا في الجو من أنواء "
مظاهرات حب القدس والوفاء لها في عواصم الألم والمحنة العربيات الثلاث تدفعنا بقوة للإيمان بأن نصر أمتنا قادم .
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة كنعان الإخبارية.