كنعان _ خاص
يعاني الطلبة الحاصلون على شهادة الثانوية العامة والراغبون في استكمال دراستهم الجامعية من الحيرة والتردد في اختيار التخصص الجامعي الملائم الذي يلبي طموحاتهم ويتناسب مع قدراتهم العلمية وميولهم الشخصية، ويضطر عدد كبير منهم إلى اختيار التخصصات الجديدة رغبة في الحصول على فرصة عمل أو وظيفة في أي قطاع من القطاعات، دون الاكتراث لميوله وقدراته.
ويرى غالبية طلبة الثانوية العامة الذين التقت بهم "كنعان" خلال تجوالها في ساحات أقسام القبول والتسجيل بجامعات غزة، أن العديد من التخصصات الجامعية اليوم باتت بلا مستقبل "مهني" أو "وظيفي"، مؤكدين على أهمية الالتحاق في الكليات الجامعية الأكثر حظاً في سوق العمل، بعيداً عن الرغبات الخاصة التي يتمتع بها الطالب والتي تؤهله للإبداع دون غيره.
الأوفر حظاً..
ولم يخفِ الطالب محمد سلمي من مدينة غزة ـ حالة الحيرة والتفكير المستمر في اختياره للكلية الجامعية التي سيكمل فيها دراسته العليا، موضحاً أن ارتفاع نسب بطالة الخريجين زاد من صعوبة الاختيار لديه، مما دفعه إلى سؤال ذوي الاختصاص، لاختيار التخصص الأوفر حظاً في سوق العمل حيث قرر دراسة الحقوق.
وأوضح سلمي الحاصل على معدل ( 90,9%) في الفرع الأدبي، أنه خلال دراسته في الثانوية العامة، لم يكن يتصور أن اختياره لكليته الجامعية سيكون مربكاً ومقلقاً للغاية، كون الأمر يتعلق بتكوين مصيره لحياته المستقبلية.
طموح تقتله التقاليد ..
أما الطالبة اسراء محمود والحاصلة على معدل ( 95.9%) في الفرع العلمي، فأكدت أن رغبتها الأولى هي الدراسة كلية الهندسة، غير أن أسرتها نصحتها بدراسة آداب انجليزي، كونها من المجالات المطلوبة في سوق العمل، ويتناسب معها كفتاة، عكس كلية الهندسة التي تتطلب من الفتاة الحركة والتواجد على رأس عملها بما يتنافى مع عادات وتقاليد المجتمع الشرقي المحافظ ــ على حد قولها.
اسراء - التي بدت قلقة ومتوترة - لم تخف حيرتها بين اختيار التخصص الذي يلبي رغبتها وطموحها، وبين نصيحة أسرتها لها، حيث قالت :" القرار بالنسبة لي ليس سهلاً، وستترتب عليه عواقب كثيرة لا أستطيع وحدي تحملها حال عدم حصولي على فرصة عمل"، معربةً عن خيبة أملها في أن ينتهي بها المطاف لسلك التعليم الذي لا ترغبه.
معدل يزيد المتاعب
أما الطالبة رولا المصري الحاصلة على معدل (95%) في الفرع العلمي، فعبرت عن رغبتها دراسة التمريض، معتبرةً أن حصولها على مجموع متميز في الثانوية العامة فتح أمامها آفاقاً واسعة لاختيار أفضل التخصصات، إلا أنه زاد من تعبها الذهني في اختيار أي من التخصصات الملائمة لقدراتها.
وقالت المصري :" منذ طفولتي وأنا أتمنى أن أكون حكيمة، وها أنا بعد سنوات من الجد والعمل اقترب من تحقيق حلمي "، مؤكدةً عدم معارضة أسرتها لاختيارها، حتى لو كانت الدراسة خارج الوطن في أي من الأقطار العربية داخل مدينة جامعية، لثقتهم العالية بها.
الأولوية لسوق عمل ..!!
في حين، أكد الطالب محمد عودة والحاصل على معدل( 93% ) في الفرع العلمي أن الميول والرغبات والقدرات الذاتية لم تعد تحتل سلم أولويات طلبة اليوم، بقدر ما يسيطر عليهم شبح البطالة، المصير "المظلم"، الذي ينتظرهم بعد التخرج، على حد تعبيره.
وقال عودة :" في بيتي ثلاثة من الخريجين أحدهما حصل على فرصة عمل مؤقتة، والآخرين لازالوا متعطلين عن العمل، ما جعلني في حيرة كبيرة في اختيار التخصص الأوفر حظاً لسوق العمل، لتفادي تكليف أسرتي مبالغ باهظة، ولينتهي بي المطاف إلى الجلوس في البيت"، مبيناً أنه قرر بعد تفكير مستفيض دراسة الطب في الخارج، باعتباره من التخصصات الأوفر حظاً للعمل في القطاعين ( الخاص والعام).
أما الطالب عبد الكريم النجار والحاصل على معدل ( 86%) في الفرع العلمي فأكد أنه يسعى للحصول على منحة دراسية في تركيا، لدراسة الطب، مؤكداً أن الطب من التخصصات المطلوبة في سوق العمل، غير أن
أن معدله لا يسمح له بدراسة هذا التخصص في أي من الجامعات المحلية، مما اضطره إلى البحث عن منحة دراسية في الخارج.
هروب إلى الدبلوم ..
وعلى ذات النحو بدا الطالب هاني القصاب قلقاً من عدم قبوله في أي من الكليات الجامعية لحصوله على معدل ( 59.9%)، حيث أن مفتاح القبول للجامعات الفلسطينية هذا العام كحد أدني ( 60%)، مؤكداً أنه قرر الالتحاق بأحد الكليات التي تمنح درجة "الدبلوم" على أمل إكمال دراسته بعد الحصول على درجة الدبلوم.
القصاب هو واحد من آلاف طلبة الثانوية العامة الحاصلين على معدل دون (60%)، الأمر الذي دفع العديد منهم إلى مطالبة الجهات المتخصصة فتح تخصصات جامعية جديدة لاستيعابهم.
إستراتيجية جديدة ..
بدوره، أكد الباحث في مجال التعليم، أ. محمد الحطاب على ضرورة أن تصيغ الجهات المتخصصة خطة إستراتيجية يلتزم الجميع بنتائجها توازن بين حاجة سوق العمل لمختلف التخصصات من الخريجين وبين عدد الطلبة الذين يتم استيعابهم في كل تخصص، موضحاً أن طريقة توزيع التخصصات على الجامعات وعدد المنتسبين إليها كل عام يغلب عليها الطابع الارتجالي غير الممنهج، ولذلك تأتي نتائجها عكسية وسلبية، على حد قوله.
ووجه الباحث في مجال التعليم، نصيحته إلى طلبة الثانوية العامة باختيار التخصصات الدراسية الأكثر استيعاب في سوق العمل والبعيدة عن القطاعين (العام، والخاص)، منوهاً إلى وجود عديد التخصصات المطلوبة في سوق العمل لطلبة العلوم الإنسانية كاللغة الإنجليزية والرياضيات والتمريض.
صراع الإحجام والإقدام
من جانبه، رأى الأخصائي النفسي والاجتماعي د. رمضان الحلو، أن حيرة الطلبة الناجحين في الثانوية العامة باختيار الكليات الجامعية ترجع لعدة أمور، منها تعدد التخصصات، ومجالات العمل المحدودة أمامها، وضغط الأهل في اتجاه قد يتعارض مع ميول واهتمامات وقدرات أبنائهم، مؤكداً أن الطالب وحده القادر على اختيار التخصص الملائم له، والذي يجب أن يتوافق مع إمكاناته ورغباته، ولكن دون إهمال رأي ذويه، إلى جانب الإلمام بكافة الجوانب الأخرى التي تحيط بدراسته، بحيث لا تتعارض مع واقع السوق واحتياجاته.
ويقول الحلو لـ "كنعان" :" حالة الحيرة تجعل الطالب في صراع يسمى في علم النفس "صراع الإقدام والإحجام" وتدخله في حالة توتر عالية، تزول أعراضها لحظة إقدامه على أي قرار".
ويضيف " أنصح الأهل بعدم التدخل الممزوج بلغة الإجبار والإلحاح، لأن هذا الأسلوب قد يحول دون رضا الابن عن دراسته لذلك التخصص، مما يقوده إلى الفشل، وضياع سنوات عمره، كما أنصح الطلبة بعدم الالتفاف إلى بريق الشهرة أو النزول عند رغبة أولياء أمورهم فحسب أو مجاراة أصدقائهم، واختيار التخصص الأقرب إلى ميولهم ويتناسب مع قدراتهم".